خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    حاجة البشرية للعلماء

    avatar
    أبو محمد عبد الله السلفي
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    عدد الرسائل : 208
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 0
    تاريخ التسجيل : 27/04/2008

    الملفات الصوتية حاجة البشرية للعلماء

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبد الله السلفي 15.05.08 18:43

    حاجة البشرية للعلماء


    لقد اقتضت حكمة أحكم الحاكمين أن يجعل في خلقه أعلاماً يهتدى بهم ونصب لكل قوماً إماماً به يتقون، وإليه يرجعون. فلو التّف الناس حول علمائهم، وقاموا بحقوقهم، وتترسوا بعلومهم، ورجعوا إليهم في بيان أحكام ربهم وسنة نبيهم-صلى الله تعالى عليه وآله وسلم-وشاورهم في أمورهم، لمضت سفينة المجتمعات في سبيلها المأمون جيل بعد جيل، وقرن بعد قرن، آمنة مطمئنة.
    ومع هذا، فلا يزال هؤلاء السادة في كل عصر ومصر يمسكون بدفتها، يسوسون الناس بسياسة حسنة ويأخذون على أيديهم بقوارع الحجة والبرهان، وسياط الأدلة القواطع الواضحات، طمعاً في هدايتهم، وحرصاً على سلامتهم، واستقامة لديانتهم، ورغبة في نجاتهم؛ فكانوا القادة ولا يزالون، والله إني لأحبهم، وأرجو الخير بذلك -حشرنا الله معهم جميعاً مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين.
    أقول: إن مثل الناس دون علماء حين ينقطع عنهم معين الهداية والرعاية يصيرون في ظلمات الجهل كالسوائم لا راعي لها ولا خطام، تسعى بظلفها إلى حتفها. فهم الذين أخرجوا الناس من دياجير الظلام إلى نور العلم والمعرفة-بإذن الله تعالى-وأرسوا قواعد الإسلام ودعائم الإيمان في القلوب والمجتمعات، وعبّدوا الناس لخالق الأرض والسماوات وبيّنوا طريق العبودية للناس وأرشدوهم إلى ضرورة التزود بزاد للمعاد .
    وفي ذلك يقول الإمام الآجري –رحمه الله تعالى :"…فما ظنكم –رحمكم الله-بطريق فيه آفات كثيرة، ويحتاج الناس إلى سلوكه في ليلة ظلماء، فإن لم يكن فيه ضياء وإلا تحيروا، فقيض الله لهم فيه مصابيح تضيء لهم ، فسلكوا على السلامة والعافية، ثم جاءت طبقات من الناس لابد لهم من السلوك فيه فسلكوا، فبينما هم كذلك إذ طفئت المصابيح فبقوا في الظلمة، فما ظنكم به؟!
    هكذا العلماء في الناس، لا يعلم كثير من الناس كيف أداء الفرائض، ولا كيف اجتناب المحارم، ولا كيف يعبد الله في جميع ما يعبده به خلقه إلا ببقاء العلماء، فإذا مات العلماء تحير الناس، ودرس العلم بموتهم وظهر الجهل""أخلاق العلماء" الإمام الأجري ص (96)
    نعم .. وكيف يستغنى عن العلماء فهم "يضبطون عقلك، والمحدثون ينخلون أحاديثك، وجهابذة التفسير يفقهونك في قرآنك، والمؤرخون يعلمونك صعود الأمم وهبوطها على مدار القرون، والأصوليون يدربونك على استنباط الأحكام، وأرباب اللغة يقومون لسانك الأعوج، والربانيون يوصلون قلبك إلى الملأ الأعلى""الإعلام بحرمة أهل العلم والإسلام"لمحمد بن اسماعيل المقدم ص (172)
    فلولا هداية الله ثم هداية العلماء لصار الناس كالأيتام، أو كالسوائم، لا يعرفون معروفاً، ولا ينكرون منكراً، ولا يعظّمون حرمة، ولا يحفظون عهداً، ولا تقوم لهم قائمة، الوشائج مقطوعة، والأستار مهتوكة، يأكل قويهم ضعيفهم، ولا يرحم كبيرهم صغيرهم، فيترتب على ذلك شيوع الفوضى، ويعم الفساد، ويكثر الخراب والدمار، ويسود قانون الغاب، وهكذا دوليك .
    قال العلامة ابن القيم -رحمه الله تعالى "أن الإنسان إنما يميز على غيره من الحيوانات بفضيلة العلم والبيان، وإلا فغيره من الدواب والسباع أكثر أكلاً منه، وأقوى بطشاً، وأكثر جماعاً وأولاداً، وأطول أعماراً، وإنما ميز على الدواب والحيوانات بعلمه وبيانه ، فإذا عدم العلم بقى معه القدر المشترك بينه وبين سائر الدواب وهي الحيوانية المحضة، فلا يبقى فيه فضل عليهم بل قد يبقى شراً منهم، كما قال تعالى في هذا الصنف من الناس:"إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون" فهؤلاء هم الجهال، ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم، أي ليس عندهم محل قابل للخير، ولو كان محلهم قابلاً للخير لأسمعهم أي لأفهمهم والسمع هاهنا سمع فهم وإلا فسمع الصوت حاصل لهم" "مفتاح دار السعادة" للعلامة ابن القيم (1/294)
    قال الحسن -رحمه الله تعالى :"لولا العلماء لصار الناس كالبهائم" أي: أنهم بالتعليم يخرجون الناس من حدّ البهيمية إلى حدّ الإنسانية""موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين" للشيخ محمد جمال الدين القاسمي "باب فضيلة التعليم" ص(16) دار المعرفة
    قال العلامة ابن القيم –رحمه الله تعالى :
    ولولا هموا كانت تميـد بأهلها ولكن رواسيها وأوتارها هموا
    ولولا هموا كانت ظلاماً بأهلها ولكن هموا فيها بدور وأنجم( )
    قال هلال بن خباب-رحمه الله تعالى: سألت سعيد بن جبير، قلت: يا أبا عبد الله ما علامة هلاك الناس؟ قال: إذا هلك علماؤهم" رواه الدارمي (1/78) والنقل عن"الإعلام بحرمة أهل العلم والإسلام" ص(177)

    المطلب الثاني: العلماء قلة فيجب صيانتهم والقيام عليهم .

    قال الله تعالى:"وإذ قال موسى لفتاه…"الآية سورة"الكهف"الآية(60)قال محمد بن الأدفوي النحوي :"إذا تعلم الإنسان من العالم واستفاد منه الفوائد فهو له عبد، قال الله تعالى:"وإذ قال موسى لفتاه" سورة "الكهف" الآية (60) وهو يوشع بن نون ولم يكن مملوكاً له، وإنما كان متتلمذاً له، متبعاً له، فجعله الله فتاه لذلك" انظر "الفقيه والمتفقه" للخطيب البغدادي (2/197)
    في"صحيح البخاري" وفي حادث الهجرة العظيم وفيه قال أبو بكر-رضي الله تعالى عنه :"ارتحلنا من مكة فأحيينا –أوسرينا- ليلتنا ويومنا حتى أظهرنا وقام قائم الظهيرة، فرميت ببصري هل أرى من ظل فآوي إليه، فإذا صخرة أتيتها، فنظرت بقية ظل لها فسويته، ثم فرشت للنبي–صلى الله تعالى عليه وآله وسلم- فيه، ثم قلت له: اضطجع يا نبي الله، فاضطجع النبي–صلى الله تعالى عليه وآله وسلم- ثم انطلقت أنظر ما حولي: هل أرى من الطلب أحداً…""صحيح البخاري (7/8) كتاب فضائل الصحابة "باب مناقب المهاجرين وفضلهم منهم أبو بكر عبد الله بن أبي قحافة التيمي –رضي الله تعالى عنه-برقم (3652) من حديث البراء.
    قال الحافظ –رحمه الله تعالى :"وفي دلائل النبوة للبيهقي من مرسل محمد بن سيرين:" أن أبا بكر ليلة انطلق مع رسول الله –صلى الله تعالى عليه وآله وسلم-إلى الغار كان يمشي بين يديه ساعة، ومن خلفه ساعة، فسأله النبي–صلى الله تعالى عليه وآله وسلم-فقال: أذكر الطلب فأمشي خلفك وأذكر الرصد فأمشي أمامك، فقال: لو كان شيء أحببت أن تقتل دوني؟ قال: إي والذي بعثك بالحق. فلما انتهينا إلى الغار، قال : مكانك يا رسول الله حتى استبرئ لك الغار، فاستبرأه" وذكر أبو القاسم البغوي من مرسل بن أبي مليكة نحوه ، وذكر ابن هشام من زياداته عن الحسن البصري بلاغاً نحوه" "الفتح"للحافظ ابن حجر (7/237)
    وفي رواية "للبخاري" أيضاً " وعند وصول الركب المبارك" قام أبو بكر للناس، وجلس رسول الله –صلى الله تعالى عليه وآله وسلم-صامتاً، فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير الرسول –صلى الله تعالى عليه وآله وسلم-يحي أبا بكر( ) حتى أصابت الشمس رسول الله-صلى الله تعالى عليه وآله وسلم-فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه، فعرف الناس رسول الله –صلى الله تعالى عليه وآله وسلم""الفتح" للحافظ ابن حجر (7/239) برقم (3906)
    قلت: وفي الباب أيضاًما كان من العظيمة الموفقة الرشيدة أم سليم –رضي الله تعالى عنها-وقولها بعد أن دفعت لرسول الله –صلى الله تعالى عليه وآله وسلم- ابنها:"خويدمك أنس" في "صحيح الإمام مسلم" عن أنس-رضي الله تعالى عنه-قال: قدم النبي-صلى الله تعالى عليه وآله وسلم-وأنا ابن عشر، ومات وأنا ابن عشرين سنة، وكن أمهاتي يحثثنني على خدمته-صلى الله تعالى عليه وآله وسلم..." الحديث "صحيح الإمام مسلم" كتاب الأشربة "باب استحباب إدارة الماء واللبن على اليمين" برقم (2029)
    وفي رواية في"صحيح الإمام مسلم" أيضاً عنه-رضي الله تعالى عنه:"دخل النبي-صلى الله تعالى عليه وآله وسلم- علينا، وما هو إلا أنا وأمي وأم حرام خالتي، فقالت أمي: يا رسول الله! خويدمك، ادع الله له..." "صحيح الإمام مسلم" كتاب فضل الصحابة "باب فضائل أنس بن مالك-رضي الله تعالى عنه" برقم (2481)
    وفي رواية:"جاءت بي أمي، أم أنس إلى رسول الله-صلى الله تعالى عليه وآله وسلم-وقد أزرتني بنصف خمارها وردتني بنصفه، فقالت يا رسول الله، هذا أنيس ابني، أتيتك به يخدمك، فادع الله له ..." "نفس العزو" فما فتيء أن أورثه هذا الخير والقرب من النبوة على أن صار سيداً يخدم، فـ
    عن أنس-رضي الله تعالى عنه- قال:"صحبت جرير بن عبد الله، فكان يخدمني""سير أعلام النبلاء"(3/401)
    وقال الأعمش-رحمه الله تعالى-كتب أنس -رضي الله تعالى عنه- إلى عبد الملك بن مروان- يعني: لما أذاه الحجاج- إني خدمت رسول الله-صلى الله تعالى عليه وآله وسلم- تسع سنين والله لو أن النصارى أدركوا رجلاً خدموا نبيهم-صلى الله تعالى عليه وسلم- لأكرموه""سير أعلام النبلاء"(3/402)
    وفي وصية علي بن أبي طالب-رضي الله تعالى عنه-قال العلامة ابن القيم-رحمه الله تعالى:" قوله "أولئك الأقلون عدداً الأعظمون عند الله قدراً" يعني هذا الصنف من الناس أقلّ الخلق عدداً، وهذا سبب غربتهم؛ فإنهم قليلون في الناس، والناس على خلاف طريقهم، فلهم نبأ وللناس نبأ، قال النبي–صلى الله عليه وسلم-:"بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء" فالمؤمنون قليل في الناس، والعلماء قليل في المؤمنين، وهؤلاء قليل في العلماء وإياك أن تغترّ بما يغتر به الجاهلون فإنهم يقولون: لو كان هؤلاء على حق لم يكونوا أقلّ الناس عدداً والناس على خلافهم، فاعلم أن هؤلاء هم الناس ومن خالفهم فمشبهون بالناس وليسوا بناس فما الناس إلا أهل الحق وإن كانوا أقلهم عدداً .
    قال ابن مسعود –رضي الله عنه:"لا يكن أحدكم إمعة يقول أنا مع الناس ليوطنّ أحدكم نفسه على أن يؤمن ولو كفر الناس" 000 لا تخف وحشة الطريق إذا سر ت وكن في خفارة الحق سائر
    وقوله:"بهم يدفع الله عن حججه حتى يؤدوها إلى نظرائهم ويزرعوها في قلوب أشباههم" وهذا لأنّ الله سبحانه ضمن حفظ حجه وبيناته وأخبر رسول الله –صلى الله تعالى عليه وآله وسلم-أنه لا تزال طائفة من أمته على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم إلى قيام الساعة فلا يزال غرس الله الذين غرسهم في دينه يغرسون العلم في قلوب من أهلهم الله لذلك وارتضاهم فيكونوا ورثة لهم كما كانوا هم ورثة لمن قبلهم فلا تنقطع حجج الله والقائم بها من الأرض.
    وفي الأثر المشهور:" لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسا يستعملهم بطاعته" وكان من دعاء بعض من تقدم اللهم اجعلني من غرسك الذين تستعملهم بطاعتك ولهذا ما أقام الله لهذا الدين من يحفظه ثم قبضه إليه إلا وقد زرع ما علمه من العلم والحكمة إما في قلوب أمثاله، وإما في كتب ينتفع بها الناس بعده وبهذا وبغيره فضل العلماء العباد فإن العالم إذا زرع علمه عند غيره ثم مات جرى عليه أجره وبقي له ذكره وهو عمر ثان وحياة أخرى وذلك أحق ما تنافس فيه المتنافسون ورغب فيه الراغبون""مفتاح دار اللسعادة ومنشور ولاية أهل العلم وافرادة"للإمام العلامة شمس الدين ابن القيم(1/459-461) بتصرف يسير .
    قال أبو زكريا العنبري-رحمه الله تعالى:"شهدت جنازة حسين القبائي فصلى أبو عبد الله البوشنجي( ) فلما انصرف قدمت دابته فأخذ أبو عمر الخفاف بلجامه، وابن خزيمة –إمام الأئمة-بركابه، والجارودي وإبراهيم بن أبي طالب يسويان عليه ثيابه، فمضى ولم يكلم أحداً منهم"" تهذيب التهذيب"(9/9) والنقل عن "الإعلام بحرمة أهل العلم والإسلام" ص(206)

    نقلا عن كتاب
    "بيان الشريعة الغراء لفضل العلم والعلماء..."

      الوقت/التاريخ الآن هو 19.05.24 13:33