خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

2 مشترك

    النبي - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - المعلم الأعظم

    avatar
    أبو محمد عبد الله السلفي
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    عدد الرسائل : 208
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 0
    تاريخ التسجيل : 27/04/2008

    الملفات الصوتية النبي - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - المعلم الأعظم

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبد الله السلفي 14.05.08 20:07

    النبي - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - المعلم الأعظم
    وتكامل شخصيته وتنوع أسلوبه لنستلهم منه العبر ونترسم الخطى

    pig
    قال العلامة الموردي–رحمه الله - وغيره ([1]) وهو يتحدث عما خصّ الله تعالى به رسوله محمد - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - من المزايا والخصائص ما ملخصه :

    "لما كان أنبياء الله صفوة عبادة وخير خلقه، لما كلفهم من القيام بحقه، استخلصهم من أكرم العناصر، وأمدهم بأوكد الأوصر حفظاً لنسبهم من قدح، ولمنصبهم من جرح، لتكون النفوس لهم أوطى، القلوب لهم أصفى فيكون الناس إلى إجابتهم أسرع ولأوامرهم أطوع. وقد كانت آيات النبوة في رسول الله–صلى الله عليه وسلم - باهرة وشواهده قاهرة تشهد مباديها بالعواقب، فلا يلتبس فيها كذب بصدق، ولا منتحل بمحق، وقد أرسله الله بعد الاستخلاص، وطهره من الأدناس، فانتفت عنه تهم الظنون، وسلم من ازدراء العيون، لا يدفعه عقل، ولا يأباه قلب، ولا تنفر عنه نفس، فهو المهيأ لأشرف الأخلاق وأجمل الأفعال المؤهل لأعلى المنازل وأفضل الأعمال؛ لأنها أصول تقود إلى ما ناسبها ووافقها، وتنفر ما باينها وخالفها، ولا منزلة في العالم أعلى من النبوة التي هي سفارة بين الله تعالى وعباده، تبعث على مصالح الخلق وطاعة الخالق، فكان أفضل الخلق بها أخصّ، وأكملهم بشروطها أحقّ وأمسّ.

    ولم يكن في عصر الرسول–صلى الله عليه وسلم - وما دانى طرفيه من قاربه في فضله، ولا داناه في كماله، خلقاً وخلقاً، وقولاً وفعلاً، وبذلك وصفه الله تعالى في كتابه بقوله:"وإنك لعلى خلق عظيم"سورة "القلم"الآية(4)والفضل وإن لم يكن من معجزات النبوة؛ لأنه قد يشارك فيه، فهو من أماراتها وتكامل الفضل معوز([2]) فصار كالمعجز، وكمال الفضل للصدق، والصدق موجب لقبول الحق، فجاز أن يكون الفضل من دلائل الرسل فإذا وضح هذا، فالكمال المعتبر في البشر، يكون من أربعة أوجه :

    أولاً : كمال الخلق .

    ثانياً : كمال الخلق .

    ثالثاً : فضائل الأقوال .

    رابعا ً: فضائل الأعمال .

    فأما الوجه الأول : في كمال خلقه بعد اعتدال صورته:
    فيكون بأربعة أوصاف

    أحدها: السكينة الباعثة على الهيبة والتعظيم، الداعية إلى التقديم والتسليم وكان أعظم مهيب في النفوس، حتى ارتاعت رسل كسرى من هيبته حين أتوه، مع ارتياضهم بصولة الأكاسرة، ومكاثرة الملوك الجبابرة، فكان –صلى الله عليه وسلم - في نفوسهم أهيب، وفي أعينهم أعظم، وإن لم يتضام بأبهة، ولم يتطاول بسطوة، بل كان بالتواضع موصوفاً، وبالسهولة معروفاً .

    والثاني: الطلاقة الموجبة للإخلاص والمحبة الباعثة على المصافاة والمودة، وقد كان - صلوات الله وسلامه - محبوباً، ولقد أستحكمت محبة طلاقته في النفوس حتى لم يقله مصاحبولم يتباعد منه مقارب، وكان أحب إلى أصحابه من الآباء والأبناء، وشرب البارد على الظماء

    والثالث: حسن القبول، الجالب لممايلة القلوب حتى تسرع إلى طاعته، وتذعن بموافقته وقد كان قبول منظره - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - مستوليا على القلوب، ولذلك استحكمت مصاحبته في النفوس، حتى لم ينفر منه معاند، ولا استوحش منه مباعد إلا من ساقه الحسد إلى شقوته، وقادة الحرمان إلى مخالفته.

    والرابع: ميل النفوس إلى متابعته، وانقيادها لموافقته، وثباتها على شدائده ومصابرته، فما شذ عنه معها من اخلص، ولا ند عنه فيها من تخصص([3])

    وهذه الأربعة من دواعي السعادة، وقوانين الرسالة، وقد تكاملت فيه، فكمل لما يوازنها، واستحق ما يقتضيها.



    ([1]) الإمام أبو الحسن على بن محمد الماوردي البصري البغدادي أقضي قضاة عصره، المولود سنة 364، والمتوفى سنة 450 - رحمه الله تعالى - في كتابه "أعلام النبوة"في"الباب العشرين"وذكر مثل ذلك الإمام أبو محمد ابن حزم–رحمه الله - في كتابه"الفصل في الملل والأهواء والنحل"(2/88 - 91)

    وفي"سير أعلام النبلاء"(18/64) قال الحافظ شمس الدين الذهبي - رحمه الله تعالى:"الإمام العلامة، أقضى القضاة،أبو الحسن علي بن محمد بنحبيب البصري الماوردي الشافعي، صاحب التصانيف. قال أبو عمرو بن الصلاح: هو متهم بالاعتزال، وكنت أتأول له، واعتذر عنه، حتى وجدته يختار في بعض الأوقات أقوالهم... فتفسيره عظيم الضرر، وكان لا يتظاهر بالانتساب إلى المعتزلة،بل يتكتم، ولكنه لا يوافقهم في خلق القرآن، ويوافقهم في القدر"

    وفي "ميزان الاعتدال"(3/155) ترجمة(5936): صدوق في نفسه ولكنه معتزلي" وساق ما تقدم الحافظ ابن حجر في"لسان الميزان"(4/299) ثم قال: ولا ينبغي أن يطلق عليه اسم الاعتزال... قلت (الحافظ) : والمسائل التي وافق عليها المعتزلة معروفة، ثم ساق كلام الحافظ ابن الصلاح المتقدم .

    ([2]) أعوز الشيء فهو يعوزني،أي: قلّ عندي مع حاجتي إليه . "لسان العرب"(5/385) مادة (عوز).

    ([3]) أي: عاشره طويلاً واختص بصحبته .
    avatar
    أبو محمد عبد الله السلفي
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    عدد الرسائل : 208
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 0
    تاريخ التسجيل : 27/04/2008

    الملفات الصوتية رد: النبي - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - المعلم الأعظم

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبد الله السلفي 14.05.08 20:15

    2 - وأما الوجه الثاني في كمال خلقه، فيكون بست خصال :


    الخصلة الأولى: رجاحة عقله، وصحة وهمه([1]) وصدق فراسته، وقد دلّ على وفور ذلك فيه صحة رأيه، وصواب تدبيره، وحسن تألقه، وأنه ما استغفل في مكيدة، ولا استعجز في شديدة، بل كان يلحظ الإعجاز في المبادي([2]) فيكشف عيوبها، ويحل خطوبها وهذا لا ينتظم إلا بأصدق وهم، وأوضح حزم.

    والخصلة الثانية: ثباته في الشدائد وهو المطلوب([3]) وصبره على البأساء والضراء وهو مكروب ومحروب([4]) ونفسه في اختلاف الأحوال ساكنة، لا يخور في شديدة، ولا يستكين لعظيمة، وقد لقي بمكة من قريش ما يشيب النواصي، ويهدّ الصياصي وهو مع الضعف يصابر صبر المستعلي، ويثبت ثبات المستولي.

    والخصلة الثالثة: زهده في الدنيا وإعراضه عنها وقناعته بالبلاغ منها، فلم يمل إلا نضارتها ولم يلو بحلاوتها، وقد ملك من أقصى الحجاز إلى عزار العراق. ومن أقصى اليمن إلى شحر ([5]) عمان، وهو أزهد الناس فيما يقتنى ويدخر، وأعرضهم عما يستفاد ويحتكر.

    لم يخلف عيناً و لا ديناً، ولا حفر نهراً، ولا شيد قصراً، ولم يورث ولده وأهله متاعاً ولا مالاً؛ ليصرفهم عن الرغبة في الدنيا كما صرف نفسه عنها، فيكونوا على مثل حاله في الزهد فيها، وحقيق بمن كان في الدنيا بهذه الزهادة حتى اجتذب أصحابه إليها أن لا يتهم بطلبها ، ويكذب على الله في ادعاء الآخرة بها، ويقنع في العاجل، وقد سلب الآجل، بالميسور النزر، ورضي بالعيش الكدر.

    والخصلة الرابعة: تواضعه للناس وهم أتباع وخفض جناحه لهم وهو مطاع يمشي في الأسواق ويجلس على التراب، ويمتزج بأصحابه وجلسائه، فلا يتميز عنهم إلا بإطراقه وحياته ، فصار بالتواضع متميزا، وبالتذلل متعززا.

    ولقد دخل عليه بعض الأعراب، فارتاع من هيبته، فقال له: خفض عليك، فإنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة([6]) وهذا من شرف أخلاقه، وكريم شيمه فهي غريزة فطر عليها وجبلة طبع بها، ولم تحصر فتحد.

    والخصلة الخامسة: حلمه ووقاره عن طيش يهزه، أو خرق يستفزه، فقد كان أحلم في النفار([7]) من كل حليم، وأسلم في الخصام من سليم، وقد مني بجفوة الأعراب، فلم يوجد منه نادرة، ولم يحفظ عليه بادرة. ولا حليم غيره إلا ذو عثرة، ولا وقور سواه إلا ذو هفوة فإن الله–تعالى - عصمه من نزغ الهوى وطيش القدرة بهفوة أو عثرة ليكون بأمته رؤوفاً، وعلى الخلق عطوفاً. وقد تناولته قريش بكل كبيرة، وقصدته بكل جريرة([8]) وهو صبور عليهم، ومعرض عنهم، وما تفرد بذلك سفهاؤهم دون حلمائهم، ولا أراذلهم دون عظمائهم، بل تمالأ عليه الجلة والدون، فكلما كانوا عليه من الأمر ألحّ، كان عنهم أعرض وأصفح، حتى قهر فعفا، وقدر فغفر. وقال لهم حين ظفر بهم عام الفتح وقد اجتمعوا إليه: "ما ظنكم بي؟" قالوا: ابن عم كريم، فإن تعف فذاك الظن بك، وإن تنتقم فقد أسأنا، فقال: بل أقول كما قال يوسف لإخوته:"لا تثريب عليكم اليوم، يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين" سورة "يوسف" الآية (92)وأتته هند بنت عتبة–وقد بقرت بطن عمه حمزة رضي الله عنهما ولاكت كبده - فصفح عنها، وبايعها.

    والخصلة السادسة: حفظه للعهد، ووفاؤه بالوعد، فإنه ما نقض لمحافظ عهداً، ولا أخلف لمراقب وعداً، يرى الغدر من كبائر الذنوب، والإخلاف من مساوئ الشيم، فيلتزم فيهما الأغلظ ويرتكب فيهما الأصعب حفظاً لعهده، ووفاءً بوعده حتى يبتدئ معاهدوه بنقضه، فيجعل الله تعالى له مخرجاً، كفعل اليهود من بني قريظة وبني النضير وكفعل قريش بصلح الحديبية فجعل الله تعالى له من نكثهم الخيرة. فهذه ست خصال تكاملت في خلقه، فضلّه الله تعالى بها على جميع خلقه



    ([1]) الوهم من خطرات القلب، والجمع أوهام، وتوهم الشيء: تخيله وتمثله، كان في الوجود أو لم يكن . "لسان العرب"(12/643) مادة ( وهم )

    ([2]) أي: يبصر عواقب الأمور في مبادئها .


    ([3]) أي: مطلوب من أعدائه .

    ([4]) يقال: إذا سلب وأخذ ماله وتركه بلا شيء، فهو محروب وحريب . "تاج العروس"(1/410)

    ([5]) شحر: يقال: شحر عمان، هو ساحل البحرين: عمان وعدن، مشتمل على بلاد وأودية وقرى، كانت فيها مساكن سبأ، على ما قيل . "انظر"تاج العروس من جواهرالقاموس" للزبيدي(7/13) مادة (شحر )

    ([6]) انظر"صحيح الجامع"برقم (7052) و"سلسة الأحاديث الصحيحة"(1876) بلفظ"هون عليك، فإني لست بملك، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد" والحديث أخرجه ابن ماجة (3312) وابن سعد في"الطبقات"(1/23) والحاكم (3/47) ووافقه الذهبي.

    ([7]) النفار : يقال نفر ينفر نفورا : إذا فر وذهب "لسان العرب"(5/224) مادة ( نفر )

    ([8]) الجريرة: أي: الذنب والجناية .التي يجنيها الرجل، وقد جرّ على نفسه وغيره جريرة "لسان العرب"(4/129) مادة (جرر)
    avatar
    أبو محمد عبد الله السلفي
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    عدد الرسائل : 208
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 0
    تاريخ التسجيل : 27/04/2008

    الملفات الصوتية رد: النبي - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - المعلم الأعظم

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبد الله السلفي 14.05.08 20:15

    وأما الوجه الثالث: من فضائل أقواله، فمعتبر بثمان خصال :

    الخصلة الأولى: ما أوتى من الحكمة البالغة، وأعطي من العلوم الجمة الباهرة، وهو أمي من أمة أميّة لم يقرأ كتاباً ولا درس علماً، ولا صحب عالماً ولا معلماً، فأتى–صلى الله عليه وسلم - بما بهر العقول وأذهل الفطن من إتقان ما بان، وإحكام ما أظهر، فلم يعثر فيه بزلل في قول أو عمل، وما هذه الفطرة في الرسول–صلى الله عليه وسلم - إلا من صفاء جوهره وخلوص مخبره.

    والخصلة الثانية: حفظه لما أطلعه الله تعالى عليه من قصص الأنبياء مع الأمم وأخبار العالم في الزمن الأقدم حتى لم يعزب عنه منها صغير ولا كثير وهو لا يضبطها بكتاب يدرسه ولا يحفظها بعين تحرسه، وما ذاك إلا من ذهن صحيح، وصدر فسيح، وقلب شريح([1]) وهذه الثلاثة آلة ما استودع من الرسالة وحمّل من أعباء النبوة، فجدير أن يكون بها مبعوثاً وعلى القيام بها محثوثاً.

    الخصلة الثالثة: إحكامه لما شرع بأظهر دليل، وبيانه بأوضح تعليل، حتى لم يخرج عنه ما يوجبه معقول ولا دخل فيه ما تدفعه العقول، ولذلك قال - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم:"أوتيت جوامع الكلم، واختصر لي الكلام اختصاراً"([2]) لأنه نبّه بالقليل على الكثير، فكف عن الإطالة وكشف عن الجهالة، وما تيسر له ذلك إلا وهو عليه معان، وإليه مقاد".

    والخصلة الرابعة: ما أمر به من محاسن الأخلاق، ودعا إليه من مستحسن الآداب وحثّ عليه من صلة الأرحام وندب إليه من التعطف على الضعفاء والأيتام. ثم ما نهى عنه من التقاطع والتباعد، لتكون الفضائل فيهم أكثر، ومحاسن الأخلاق بينهم أنشر، ومستحسن الآداب عليهم أظهر، ويكونوا إلى الخير أسرع، ومن الشر أمنع فيتحقق فيهم قول الله تعالى :"كنتم خير أمة أخرجت للناس"الآيةسورة "آل عمران" الآية (110) فلزموا أوامره، واتقوا زواجره، فتكامل بهم صلاح دينهم ودنياهم حتى عزّ بهم الإسلام بعد ضعفه، وذلّ بهم الشرك بعد عزه، فصاروا أئمة أبراراً، وقادةً أخياراً

    والخصلة الخامسة: وضوح جوابه إذا سئل ، وظهور حجاجه إذا جودل، لا يحصره عي، ولا يقطعه عجز، ولا يعارضه خصم في جدال إلا كان جوابه أوضح، وحجاجه أرجح

    الخصلة السادسة: أنه محفوظ اللسان من تحريف في قول، واسترسال في خبر يكون إلى الكذب منسوباً، وللصدق مجانباً فإنه لم يزل مشهوراً بالصدق في خبره ناشئاً وكبيراً حتى صار بالصدق مرقوماً([3]) وبالأمانة موسوماً، وكانت قريش بأسرها تتيقن صدقه قبل الإسلام فجهروا بتكذيبه في استدعائهم إليه، فمنهم من كذبه حسداً، ومنهم من كذبه عناداً ومنهم من كذبه استبعاداً أن يكون نبياً أو رسولاً. ولو حفظوا عليه كذبة نادرة في غير الرسالة لجعلوها دليلاً على تكذيبه في الرسالة. ومن لزم الصدق في صغره كان له في الكبر ألزم، ومن عصم منه حق نفسه كان في حقوق الله تعالى أعصم، وحسبك بهذا دفعاً لجاحد، ورداً لمعاند

    الخصلة السابعة: تحرير كلامه في التوخي به إبان حاجته، والاقتصار منه على قدر كفايته، فلا يسترسل فيه هذراً، ولا يحجم عنه حصراً، وهو فيما عدا حالتي الحاجة والكفاية أجمل الناس صمتاً، وأحسنهم سمتاً، ولذلك حفظ كلامه حتى لم يختل، وظهر رونقه حتى لم يعتل، واستعذبته الأفواه حتى بقي محفوظاً في القلوب مدوناً في الكتب.

    الخصلة الثامنة: أنه أفصح الناس لساناً، وأوضحهم بياناً، وأوجزهم كلاماً، وأجزلهم ألفاظاً وأصحهم معاني، لا يظهر فيه هجنه التكلف([4]) ولا يتخلله فيهقة التعسف([5]) وقد دون كثير من جوامع كلمه ومن كلامه الذي لا يشاكل في فصاحته وبلاغته. ومع ذلك فلا يأتي عليه إحصاء، ولا يبلغه استقصاء، ولو مزج كلامه بغيره لتميز بأسلوبه، ولظهر فيه آثار التنافر، فلم يلتبس حقه من باطلة ولبان صدقه من كذبه.

    هذا..ولم يكن متعاطياً للبلاغة، ولا مخالطاً لأهله من خطباء أو شعراء أو فصحاء، وإنما هو من غرائز فطرته، وبداية جبلته، وما ذاك إلا لغاية تراد، وحادثة تشاد




    ([1]) قلب شريح: أي: قلب واسع . انظر "لسان العرب"(2/497)

    ([2]) انظر"ضعيف الجامع" برقم(949) بلفظ"أعطيت"بدل"أوتيت" ولكنه صحّ بلفظ "أعطيت مفاتح الكلم" كما في صحيح الإمام البخاري كتاب التعبير "باب رؤيا الليل عن أبي هريرة برقم(6998) وفي باب المفاتيح في اليد بلفظ"بعثت بجوامع الكلم" برقم(7013) وفي صحيح الإمام مسلم كتاب المساجد ومواضع الصلاة برقم(523) بلفظ "فضلت على الأنبياءبست: اعطيت جوامع الكلم..."

    ([3]) أي: مزيناً ومعرفاً، والرقم:ضرب مخطط من المواشي، وقيل: من العنز، والمعنى : أي: مزين "لسان العرب"(12/249)

    ([4]) هجنة التكلف: الهجنة في الكلام: ما يلزمك منه العيب "لسان العرب"(13/434) مادة (هجن) .

    ([5]) فيهقة التعسف: تفيهق في الكلام، توسع، وأصله الفهق، وهو الامتلاء، كأنه ملأ به فمه ."لسان العرب"(10/314) مادة (فهق)

    avatar
    أبو محمد عبد الله السلفي
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    عدد الرسائل : 208
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 0
    تاريخ التسجيل : 27/04/2008

    الملفات الصوتية رد: النبي - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - المعلم الأعظم

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبد الله السلفي 14.05.08 20:29

    4 - وأما الوجه الرابع: في فضائل أفعاله، فمختبر بثمان خصال :

    الخصلة الأولى: حسن سيرته، وصحة سياسته، في دين نقل به الأمة عن مألوف، وصرفهم به عن معروف أو غير معروف، فأذعنت به النفوس طوعاً، وانقادت له خوفاً وطمعاً، وليس ذلك بالسهل اليسير، إلا لمن كان مع التأييد الإلهي معنا بحزم صائب، وعزم ثاقب ولئن كان مأموراً بما شرع، فهي الحجة القاهرة، ولئن كان مجتهداً فيه فهي الآية الباهرة، وحسبك بما استقرت قواعده على الأبد - حتى انتقل عن سلف إلى خلف، تزداد فيهم حلاوته، وتشتد فيهم جدته، ويرونه نظاماً لأعصار تتقلب صروفها، ويختلف مألوفها –أن يكون لمن قام به برهاناً، ولمن ارتاب به بياناً.

    الخصلة الثانية: أنه جمع بين رغبة من استمال ، ورهبة من استطاع، حتى اجتمع الفريقان على نصرته، وقاموا بحقوق دعوته، رغباً في عاجل وآجل، ورهباً من زائل ونازل لاختلاف الشيم والطباع في الانقياد الذي لا ينتظم بأحداهما، ولا يستديم إلا بهما، فلذلك صار الدين بهما مستقراً ، والصلاح بهما مستمراً.

    الخصلة الثالثة: أنه عدل فيما شرعه من الدين عن الغلو والتقصير إلى التوسط، وخير الأمور أوساطها؛ لأنه العدل بين طرفي سرف وتقصير وليس لما جاوز العدل حظّ من رشاد ولا نصيب من سداد

    الخصلة الرابعة: أنه لم يمل بأصحابه إلى الدنيا ولا إلى رفضها، وإنما أمرهم فيها بالاعتدال…؛ لأن الانقطاع إلى أحدهما اختلال، والجمع بينهما اعتدالوإنما كانت كذلك؛ لأن منها متزود المرء لأخرته، ويستكثر فيها من طاعته؛ ولأنه لا يخلو تاركها من أن يكون محروماً مضاعاً، أو مرحوماً مراعى، وهو في الأول كلّ، وفي الثاني مستذل

    الخصلة الخامسة: تصديه لمعالم الدين، ونوازل الأحكام، حتى أوضح للأمة ما كلفوه من العبادات، وبين لهم ما يحل ويحرم من مباحات ومحظورات، وفصل لهم ما يجوز ويمتنع من عقود ومناكح ومعاملات حتى احتاج أهل الكتاب في كثير من معاملاتهم ومواريثهم لشرعه ولم يحتج شرعه إلى شرع غيره. ثم مهد لشرعه أصولاً تدلّ على الحوادث المغفلة، ويستنبط لها الأحكام المعللة، فأغنى عن نصّ بعد ارتفاعه، وعن التباس بعد انقطاعه، ثم أمر الشاهد أن يبلغ الغائب ليعلم بإنذاره ويحتج بإظهاره، فقال–صلى الله عليه وسلم:"بلغوا ولا تكذبوا علي، فرب مبلغ أوعى من سامع، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه"([1]) فأحكم ما شرع من نصّ وتنبيه، وعمّ الناس بما أمر من حاضر وبعيد، حتى صار لما تحمله من الشرع مؤدياً، ولما تقلده من حقوق الأمة موفياً؛ لئلا يكون في حقوق الله زلل، ولا في مصالح الأمة خلل، وذلك في برهة من زمانه، لم يستوف تطاول الاستيعاب حتى أوجز وأنجز، وما ذاك إلا بديع معجز.

    الخصلة السادسة: انتصابه لجهاد الأعداء، وقد أحاطوا بجهاته وأحدقوا بجنباته، وهو في قطر مهجور، وعدد محقور، فزاد به من قلّ، وعزّ به من ذلّ، وصار بإثخانه في الأعداء محذوراً، وبالرعب منه منصوراً، فجمع بين التصدي لشرع الدين حتى ظهر وانتشر، وبين الانتصاب لجهاد العدو حتى قهر وانتصر، والجمع بينهما معوز إلا لمن أمده الله بمعونته، وأيده بلطفه ، والمعوز معجز.

    الخصلة السابعة: ما خص به من الشجاعة في حروبه، والنجدة في مصابرة عدوه، فإنه لم يشهد حرباً فيها أفزاع([2]) إلا صابر حتى انجلت عن ظفر أو دفاع، وهو في موقفة لم يزال عنه هرباً، ولا انحاز منه رغباً، بل ثبت بقلب آمن، وجأش ساكن. قد ولى عنه أصحابه يوم حنين، حتى بقي بإزاء جمع كثير، وجم غفير، في تسعة من أهل بيته وأصحابه، على بغلة مسبوقة إن طلبت، غير مستعدة لهرب ولا طلب، وهو ينادي أصحابه، ويظهر نفسه ويقول :"إلي عباد الله: أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب"([3]) فعادوا أفذاذاً وأرسالاً، وهوازن تراه وتحجم عنه، فما هاب حرب من كاثره، ولا انكفأ عن مصاولة من صابره، وقد عضده الله بإنجاد وأجناد فانحازوا وصبر، حتى أمده الله بنصره وما لهذه الشجاعة من عديل.

    ولقد طرق المدينة فزع، فانطلق الناس نحو الصوت فوجدوا رسول الله–صلى الله عليه وسلم - قد سبقهم إليه، فتلقوه عائداً على فرس عرى([4]) لأبي طلحة الأنصاري وعليه السيف فجعل يقول:"أيها الناس لم تراعوا لم تراعوا" ثم قال لأبي طلحة:"إنا وجدناه بحراً"([5]) وكان الفرس يبطئ، فما سبقه فرس بعد ذلك. وما ذاك إلا عن ثقة من أن الله تعالى سينصره، وأن دينه سيظهره، تحقيقاً لقوله تعالى:"ليظهره على الدين كله" سورة "التوبة" الآية (33)وتصديقاً لقول رسول الله–صلى الله عليه وسلم:"زويت لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها"([6]) وكفى بهذا قياماً بحقه، وشاهداً على صدقه.




    ([1]) جمع المواردي - رحمه الله تعالى - بين عدة أحاديث في سياق واحد، وانظر في ذلك: صحيح الإمام البخاري كتاب الحج باب الخطبة أيام منى، وكتاب أحاديث الأنبياء باب ما ذكر عنبني إسرائي، واصحيح الإمام مسلم كتاب القسامة، والإمام الترمذي في العلم (4/147) والإمام أبو داود (3/438)

    ([2]) الأفزاع: جمع فزع، وهو الخوف والذعر

    ([3]) انظر"صحيح الإمام مسلم"كتاب الجهاد والسير"باب غزوة حنين" رقم(1776)

    ([4]) أي ليس عليه سرج ولا شيء

    ([5]) انظر"فتح الباري"(6/58 ) كتاب الجهاد "باب اسم الفرس والحمار" حديث رقم(2857) عن أنس - رضي الله تعالى عنه .

    ([6]) "صحيح الإمام مسلم" برقم(2889) كتاب الفتن، باب هلاك الأمة بعضهم ببعض، عن ثوبان
    [/b]–رضي الله عنه -
    avatar
    أبو محمد عبد الله السلفي
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    عدد الرسائل : 208
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 0
    تاريخ التسجيل : 27/04/2008

    الملفات الصوتية رد: النبي - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - المعلم الأعظم

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبد الله السلفي 14.05.08 20:37

    الخصلة الثامنة: ما منح من السخاء والجود، حتى جاد بكل موجود، وآثر بكل مطلوب ومحبوب، ومات ودرعه مرهونة عند يهودي على آصع([1]) من شعير لطعام أهله، وقد ملك جزيرة العرب وكان فيها ملوك وأقيال([2]) لهم خزائن وأموال، يقتنونها ذخراً، ويتباهون بها فخراً، يستمتعون بها أشراً وبطراً، وقد حاز ملك جميعهم، فما اقتنى ديناراً ولا درهما، لا يأكل إلا الخشب([3]) ويعطي الجزل الخطير، ويصل الجم الغفير، ويتجرع مرارة الإقلال، ويصبر على سغب([4]) الاختلال، وقد حاز غنائم هوازن، وهي من السبي: ستة آلاف رأس، ومن الإبل: أربعة وعشرون ألف بعير، ومن الغنم: أربعون ألف شاة، ومن الفضة: أربعة آلاف أوقية، فجاد بجميع حقه وعاد خلواً، وروى أبو وائل عن مسروق، عن عائشة–رضي الله تعالى عنها - قالت:"ما ترك رسول الله–صلى الله عليه وسلم - ديناراً ولا درهماً ولا شاة ولا بعيراً، ولا أوصى بشيء"([5])

    وكان إذا سئل–العطاء - وهو معدم، أمر السائل بالشراء عليه، ولم يرده صفراً، روى هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب–رضي الله تعالى عنه - أن رجلاً جاء إلى النبي - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - فسأله أن يعطيه، فقال النبي–صلى الله عليه وسلم:"ما عندي شيء، ولكن ابتع علي، فإذا جاءني شيء قضيته" فقال عمر: يا رسول الله، أنفق ولا تخف من ذي العرش إقلالاً، فتبسم رسول الله–صلى الله عليه وسلم - وعرف في وجهه البشر لقول الأنصاري،

    ثم قال:"بهذا أمرت"([6]) وكان–صلى الله عليه وسلم - يقول:"أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن توفى من المؤمنين فترك ديناً فعلى قضاؤه، أو ضياعاً فليأتني وأنا مولاه، ومن ترك مالاً فلورثته"([7]) فهل مثل هذا الكرم والجود، كرم وجود؟! أم هل مثل هذا الإعراض والزهادة إعراض وزهد؟! هيهات أن يدرك شأو من هذه شذور من فضائله، ويسير من محاسنه التي لا يحصي عدد، ولا يدرك لها أمد. لم تكمل في غيره فيساويه، ولا كذب بها ضد يناويه([8])

    وحقيق بمن بلغ من الفضائل غايتها، واستكمل لغايات الأمور آلتها أن يكون لزعامة العالم مؤهلاً، وللقيام بمصالح الخلق موكلاً وأن يعم به الصلاح، وينحسم به الفساد، ولا غاية بعد النبوة فاقتضى أن يكون لها أهلاً، وللقيام بها مؤهلا""الرسول المعلم" لأبي غدة –عفا الله عنه - ص(40 - 63)بتصرف


    نقلا عن كتاب
    "بيان الشريعة الغراء لفضل العلموالعلماء..."
    النبي - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم -  المعلم الأعظم Jjjjjjjjjjjjjjjjjjjjjjjah1
    حفظه الله تعالى ونفعنابعلمه





    ([1]) الآصع : جمع صاع ، وهو مكيال تكال به الحبوب ونحوها .

    ([2]) الأقيال: جمع قيل، وهو الملك من ملوك حمير "لسان العرب"(11/580) مادة ( قيل )

    ([3]) الخشب كالخشن لفظاً ومعنى، واخشوشب في مطعمه صار صلباً خشناً فيه . انظ "لسان العرب"(1/354) مادة (خشب)

    ([4]) السغب: الجوع . "لسان العرب"(1/468) مادة ( سغب )

    ([5]) رواه الإمام مسلم" برقم(1635) كتاب الوصية . باب الوصية من حديث أمنا أم المؤمنين عائشة - رضي الله تعالى عنها.

    ([6]) رواه الترمذي في"الشمائل"باب: ما جاء في خلق رسول الله –صلى الله عليه وسلم - برقم(305) وقال الشيخ الألباني في الحديث : ضعيف .

    ([7]) متفق عليه : "صحيح الإمام البخاري"(9/515) كتاب النفقات"باب قوله النبي - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم"من ترك كلاً..."برقم(5371) والإمام مسلم "كتاب الفرائض" باب من تركمالاً فلورثته"برقم(1619) من حديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه.

    ([8]) يناويه: أي: يعاديه .
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية رد: النبي - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - المعلم الأعظم

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 07.02.09 10:32

    جزاكم الله تعالى خيراً

    وحفظ الله تعالى شيخنا الوالد محمد بن عبد الحميد وجزاه عنا خيراً

      الوقت/التاريخ الآن هو 14.05.24 11:08