خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    جواب الإمام أبي المظفر السمعاني على سؤال لأهل الكلام في الإشتغال بأدلة العقل والرجوع إليها في الأصول

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    جواب الإمام أبي المظفر السمعاني على سؤال لأهل الكلام في الإشتغال بأدلة العقل والرجوع إليها في الأصول Empty جواب الإمام أبي المظفر السمعاني على سؤال لأهل الكلام في الإشتغال بأدلة العقل والرجوع إليها في الأصول

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 24.09.08 10:03

    جواب الإمام أبي المظفر السمعاني على سؤال لأهل الكلام في الإشتغال بأدلة العقل والرجوع إليها في الأصول

    - سؤال من أهل الكلام

    قالوا إن قولكم إن السلف من الصحابة والتابعين لم يشتغلوا بإيراد دلائل العقل والرجوع إليه في علم الدين وعدوا هذا النمط من الكلام بدعة فكما أنهم لم يشتغلوا بهذا كذلك لم يشتغلوا بالاجتهاد في الفروع وطلب أحكام الحوادث ولم يرو عنهم شيء من هذه المقايسات والآراء والعلل التي وضعها الفقهاء فيما بينهم

    وإنما ظهر هذا بعد زمان أتباع التابعين وقد استحسنه جميع الأمة ودونوه في كتبهم فلا ينكر أن يكون علم الكلام على هذا الوجه

    وقد قال النبي ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن وما رآه المسلمون قبيحا فهو عند الله قبيح وهذا مما رآه المسلمون حسنا فهو مستحسن عند الله
    والبدعة على وجهين بدعة قبيحة وبدعة حسنة

    قال الحسن البصري القصص بدعة ونعمت البدعة كم من أخ يستفاد ودعوة مجابة وسؤل معطى
    وعن بعضهم أنه سئل عن الدعاء عند ختم القرآن كما يفعله الناس اليوم قال بدعة حسنة

    وكيف لا يكون هذا النوع من العلم حسنا وهو يتضمن الرد على الملحدين والزنادقة والقائلين بقدم العالم وكذلك أهل سائر الأهواء من هذه الأمة ولولا النظر والاعتبار ما عرف الحق من الباطل والحسن من القبيح وبهذا العلم انزاحت الشبهة عن قلوب أهل الزيغ وثبت قدم اليقين للموحدين
    وإذا منعتم أدلة العقول فما الذي تعتقدون في صحة أصول دينكم ومن أي طريق تتوصلون إلى معرفة حقائقها وقد علم الكل أن الكتاب لم يعلم حقه والنبي لم يثبت صدقه إلا بأدلة العقول وقد نفيتم ذلك وإذا ذهب الدليل لم يبق المدلول أيضا وفي هذا الكلام هدم الدين ورفعه ونقضه فلا يجوز الاشتغال بمسائله .




    الجواب والله الموفق للصواب

    أنا قد دللنا فيما سبق بالكتاب الناطق من الله عز و جل ومن قول النبي ومن أقوال الصحابة رضي الله عنهم أنا أمرنا بالاتباع وندبنا إليه ونهينا عن الابتداع وزجرنا عنه
    وشعار أهل السنة اتباعهم السلف الصالح وتركهم كل ما هو مبتدع محدث وقد روينا عن سلفهم أنهم نهوا عن هذا النوع من العلم وهو علم الكلام وزجروا عنه وعدوا ذلك ذريعة للبدع والأهواء


    وحمل بعضهم قوله اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع على هذا وقوله إن من العلم لجهلا

    فأما قولهم إن السلف من الصحابة والتابعين لم ينقل عنهم أنهم اشتغلوا بالاجتهاد في الفروع فالجواب من وجهين


    أحدهما أنه لم ينقل عنهم النهي عن ذلك والزجر عنه بل من تدبر اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في المسائل واحتجاجهم في ذلك عرف أنهم كانوا يرون القياس والاجتهاد في الفروع

    وقد روى أهل الحديث والنقل عنهم ذلك واحتجاج بعضهم على بعض وطلب الأشباه ورد الفروع إلى الأصول

    وأما من كره ذلك فيحتمل أنه إنما كره ذلك إذا كان مع وجود النص من الكتاب والسنة على ما سبق بيانه

    وأما الكلام في أمور الدين وما يرجع إلى الاعتقاد من طريق المعقول فلم ينقل عن أحد منهم بل عدوه من البدع والمحدثات وزجروا عنه غاية الزجر ونهوا عنه

    جواب آخر
    أن الحوادث للناس والفتاوى في المعاملات ليس لها حصر ولا نهاية وبالناس إليها حاجة عامة فلو لم يجز الاجتهاد في الفروع وطلب الأشبه بالنظر والاعتبار ورد المسكوت عنه إلى المنصوص عليه بالأقيسة لتعطلت الأحكام وفسدت على الناس أمورهم والتبس أمر المعاملات على الناس

    ولابد للعامي من مفت فإذا لم يجد حكم الحادثة في الكتاب والسنة فلابد من الرجوع إلى المستنبطات منهما فوسع الله هذا الأمر على هذه الأمة وجوز الاجتهاد

    ورد الفروع إلى الأصول لهذا النوع من الضرورة ومثل هذا لا يوجد في المعتقدات لأنها محصورة محدودة قد وردت النصوص فيها من الكتاب والسنة فإن الله تعالى أمر في كتابه وعلى لسان رسوله باعتقاد أشياء معلومة لا مزيد عليها ولا نقصان عنها وقد أكملها بقوله اليوم أكملت لكم دينكم فإذا كان قد أكمله وأتمه وهذا المسلم قد اعتقده وسكن إليه ووجد قرار القلب عليه فبماذا يحتاج إلى الرجوع إلى دلائل العقل وقضاياه والله أغناه عنه بفضله وجعل له المندوحة عنه ولم يدخل في أمر يدخل عليه منه الشبهة والإشكالات ويوقعه في المهالك والورطات

    وهل زاغ من زاغ وهلك من هلك وألحد من ألحد إلا بالرجوع إلى الخواطر والمعقولات واتباع الآراء في قديم الدهر وحديثه

    وهل نجا من نجا إلا باتباع سنن المرسلين والأئمة الهادية من الأسلاف المتقدمين

    وإذا كان هذا النوع من العلم لطلب زيادة في الدين فهل تكون الزيادة بعد الكمال إلا نقصانا عائدا على الكمال مثل زيادة الأعضاء والأصابع في اليدين والرجلين

    فليتق امرؤ ربه عز و جل ولا يدخلن في دينه ما ليس منه وليتمسك بآثار السلف والأئمة المرضية وليكونن على هديهم وطريقهم وليعض عليها بنواجذه ولا يوقعن نفسه في مهلكة يضل فيها الدين ويشتبه عليه الحق
    والله حسيب أئمة الضلال الداعين إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون. ا.هـ.


    [الإنتصار لأصحاب الحديث)
    لأبي المظفر منصور السمعاني
    (489 هـ)]


    عدل سابقا من قبل الشيخ إبراهيم حسونة في 24.09.08 10:34 عدل 1 مرات
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    جواب الإمام أبي المظفر السمعاني على سؤال لأهل الكلام في الإشتغال بأدلة العقل والرجوع إليها في الأصول Empty رد: جواب الإمام أبي المظفر السمعاني على سؤال لأهل الكلام في الإشتغال بأدلة العقل والرجوع إليها في الأصول

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 24.09.08 10:30

    فصل

    سؤال

    قالوا قد جعلتم أصل الدين هو الاتباع ورددتم على من يرجع إلى المعقول ويطلب الدين من قبله
    وهذا خلاف الكتاب لأن الله ذم التقليد في القرآن وندب الناس إلى النظر والاستدلال والرجوع إلى الاعتبار وأمر بمجادلة المشركين بالدلائل العقلية
    وإنما ورد السمع مؤيدا لما يدل عليه العقل ومن تدبر القرآن ونظر في معانيه وجد تصديق ما قلناه فيه


    الجواب
    قلنا قد دللنا فيما سبق أن الدين هو الاتباع فذكرنا في بيانه ودلائله ما يجد به المؤمن شفاء الصدر وطمأنينة القلب بحمد الله ومنه وتوفيقه

    وأما لفظ التقليد فلا نعرفه جاء في شيء من الأحاديث وأقوال السلف فيما يرجع إلى الدين وإنما ورد الكتاب والسنة بالاتباع

    وقد قالوا إن التقليد قبول قول الغير من غير حجة
    وأهل السنة إنما اتبعوا قول رسول الله وقوله نفس الحجة ، فكيف يكون هذا قبول قول الغير من غير حجة

    فإن المسلمين قد قامت لهم الدلائل السمعية على نبوة رسول الله لما نقل إلينا أهل الإتقان والثقات من الرواة ما لا يعد كثرة من المعجزات والبراهين والدلالات التي ظهرت عليها وقد نقلها أصحاب الحديث في كتبهم ودونوها وليس المقصود من ذكرها في هذا الموضع بيانها بتفاصيلها وإنما قصدنا بيان طريق أهل السنة

    فلما صحت عندهم نبوته ووجدوا صدقه في قلوبهم وجب عليهم تصديقه فيما أنبأهم من الغيوب ودعاهم إليه من وحدانية الله عز و جل وإثبات صفاته وسائر شرائط الإسلام

    وعلى أننا لا ننكر النظر قدر ما ورد به الكتاب والسنة لينال المؤمن بذلك زيادة اليقين وثلج الصدر وسكون القلب وإنما أنكرنا طريقة أهل الكلام فيما أسسوا
    فإنهم قالوا أول ما يجب على الإنسان النظر المؤدي إلى معرفة الباري عز و جل

    وهذا قول مخترع لم يسبقهم إليه أحد من السلف وأئمة الدين ولو أنك تدبرت جميع أقوالهم وكتبهم لم تجد هذا في شيء منها لا منقولا من النبي ولا من الصحابة وكذلك من التابعين بعدهم

    وكيف يجوز أن يخفى عليهم أول الفرائض وهم صدر هذه الأمة والسفراء بيننا وبين رسول الله

    ولئن جاز أن يخفى الفرض الأول على الصحابة والتابعين حتى لم يبينوه لأحد من هذه الأمة مع شدة اهتمامهم بأمر الدين وكمال عنايتهم حتى استخرجه هؤلاء بلطيف فطنتهم وزعمهم فلعله خفي عليهم فرائض أخر

    ولئن كان هذا جائزا فلقد ذهب الدين واندرس لأنا إنما نبني أقوالنا على أقوالهم فإذا ذهب الأصل فكيف يمكن البناء عليه

    نعوذ بالله من قول يؤدي إلى هذه المقالة الفاحشة القبيحة التي تؤدي إلى الانسلاخ من الدين وتضليل الأئمة الماضين

    هذا وقد تواترت الأخبار أن النبي كان يدعو الكفار إلى الإسلام والشهادتين

    قال لمعاذ رضي الله عنه حين بعثه إلى اليمن ادعهم إلى شهادة ألا إله إلا الله وقال أيضا أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله

    وقال أيضا إذا نازلتم أهل حصن أو مدينة فادعوهم إلى شهادة ألا إله إلا الله ومثل هذا كثير

    ولم يرو أنه دعاهم إلى النظر والاستدلال وإنما يكون حكم الكافر في الشرع أن يدعى إلى الإسلام فإن أبى وسأل النظرة والإمهال لا يجاب إلى ذلك ولكنه إما أن يسلم أو يعطي الجزية أو يقتل وفي المرتد إما أن يسلم أو يقتل وفي مشركي العرب على ما عرف

    وإذا جعلنا الأمر على ما قاله أهل الكلام لم يكن الأمر على هذا الوجه
    ولكن ينبغي أن يقال له أعني الكافر عليك النظر والاستدلال لتعرف الصانع بهذا الطريق ثم تعرف الصفات بدلائلها وطرقها ثم مسائل كثيرة إلى أن يصل الأمر إلى النبوات

    ولا يجوز على طريقهم الإقدام على هذا الكافر بالقتل والسبي إلا بعد أن يذكر له هذا ويمهل لأن النظر والاستدلال لا يكون إلا بمهلة خصوصا إذا طلب الكافر ذلك وربما لا يتفق النظر والاستدلال في مدة يسيرة فيحتاج إلى إمهال الكفار مدة طويلة تأتي على سنين ليتمكنوا من النظر على التمام والكمال وهو خلاف إجماع المسلمين

    وقد حكي عن أبي العباس بن سريج أنه قال لو أن رجلا جاءنا وقال إن الأديان كثيرة فخلوني أنظر في الأديان فما وجدت الحق فيه قبلته وما لم أجد فيه تركته
    لم نخله وكلفناه الإجابة إلى الإسلام وإلا أوجبنا عليه القتل

    وقد جعل أهل الكلام من تخلف ناظرا فيه وفي غيره من الأديان مقيما على الطاعة مؤتمرا بأمره محمودا في فعله
    وهذا جهل عظيم في الإسلام
    وينبغي على قولهم إذا مات في مدة النظر والمهلة قبل قبول الإسلام أنه مات مطيعا لله مقيما على أمره لابد من إدخاله الجنة كما يدخل المسلمون

    وقد جعلوا غير المسلم مطيعا لله مؤتمرا بأمره في باب الدين وأوجبوا إدخاله الجنة وقد قال تعالى "ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين"
    وقال النبي ( صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ) : " لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة" وهذا حديث ثابت لا شك فيه

    ومما يدل على صحة ما ذهبنا إليه من أن الدين طريقة الاتباع أنا إذا سلكنا طريق الإنصاف وطرحنا التباغي والمكابرات من جانب فلا بد من الانقياد لما قلناه لأن المقصود من النظر في الابتداء إذا كان هو إصابة الحق فليتدبر المرء المسلم المسترشد أحوال هؤلاء الناظرين وكيف تحيروا في نظرهم وارتكسوا فيه

    فلئن نجا واحد بنظره فقد هلك فيه الألوف من الناس وإلى أن يبصر واحد فواحد بنظره طريق الحق بنظر رحمة سبق من الله له فقد ارتطم بطريق الكفر والضلالات والبدع بنظرهم أضعاف أضعاف عدد الأولين

    وهل كانت الزندقة والإلحاد وسائر أنواع الكفر والضلالات والبدع منشؤها وابتداؤها إلا من النظر
    ولو أنهم أعرضوا عن ذلك وسلكوا طريق الاتباع ما أداهم إلى شيء منها

    فما من هالك في العالم إلا وبدو هلاكه من النظر وما من ناج في الدين سالك سبيل الحق إلا وبدو نجاته من حسن الاتباع

    أفيستجيز مسلم أن يدعو الخلق إلى مثل هذا الطريق المظلم ويجعله سبيل منجاتهم
    وكيف يستجيز ذو لب وبصيرة أن يسلك مثل هذا الطريق وأنى له الأمان من هذه المهالك وكيف له المنجاة من أودية الكفر وعامتها بل جميعها إنما يهبط عليها من هذه المرقاة أعني طلب الحق من النظر

    ولو أعطى الخصم النصفة لا يجد بدا من الإقرار أن من كان غوره في النظر أكثر كانت حيرته في الدين أشد وأعظم

    وهل رأى أحد متكلما أداه نظره وكلامه إلى تقوى في الدين أو ورع في المعاملات أو سداد في الطريقة أو زهد في الدنيا أو إمساك عن حرام أو شبهة أو خشوع في عبادة أو ازدياد في طاعة أو تورع من معصية إلا الشاذ النادر

    بل لو قلبت القصة كنت صادقا
    تراهم أبدا منهمكين في كل فاحشة متلبسين بكل قاذورة لا يرعوون عن قبيح ولا يرتدعون من باطل إلا من عصمه الله

    فلئن دلهم النظر على اليقين وحقيقة التوحيد فبئس ثمرة اليقين هذا وتعسا لتوحيد أداهم إلى مثل هذه الأشياء وأوردهم هذه المتالف في الدين
    ومن الله التوفيق وحسن المعونة لإصابة طريق الحق والثبات عليه بمنه


    وقالوا أيضا وهو الأصل الذي يؤسسه المتكلمون والطريق الذي يجعلونه قاعدة علومهم من لم يحكم هذا الأصل لم يمكنه إثبات حدث العالم وذلك
    مسألة العرض والجوهر وإثباتهما

    فإنهم قالوا إن الأشياء لا تخلو من ثلاثة أوجه :
    إما أن يكون جسما أو عرضا أو جوهرا
    فالجسم ما اجتمع من الافتراق والجوهر ما احتمل الأعراض
    والعرض ما لا يقوم بنفسه وإنما يقوم بغيره

    وجعلوا الروح من الأعراض
    وردوا أخبار رسول الله في خلق الروح قبل الجسد لأنه لم يوافق نظرهم وأصولهم واختراعهم
    وردوا خبره في خلق العقل قبل الخلق
    وإنما ردوا هذه الأخبار لأن العقل عندهم عرض كالروح والعرض لا يقوم بنفسه فردوا الأخبار بهذا الطريق
    وكذلك ردوا الخبر الذي روي عن النبي أن الموت يذبح على الصراط لأن الموت عرض لا ينفرد بنفسه
    فهذا أصلهم الثاني الذي أدى إلى رد الأخبار الثابتة عن رسول الله ومثل هذا كثير يأتي بيانه

    ولهذا قال بعض السلف إن أهل الكلام أعداء الدين
    لأن اعتمادهم على حدسهم وظنونهم وما يؤدي إليه نظرهم وفكرهم ثم يعرضون عليه الأحاديث فما وافقه قبلوه وما خالفه ردوه على ما سبق بيانه

    وأما أهل السنة سلمهم الله فإنهم يتمسكون بما نطق به الكتاب ووردت به السنة
    ويحتجون له بالحجج الواضحة والدلائل الصحيحة على حسب ما أذن فيه الشرع وورد به السمع
    ولا يدخلون بآرائهم في صفات الله تعالى ولا في غيرها من أمور الدين وعلى هذا وجدوا سلفهم وأئمتهم

    وقد قال الله تعالى يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا

    وقال أيضا يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته

    وقال في خطبة الوداع وفي مقامات له شتى وبحضرته عامة أصحابه رضي الله عنهم ألا هل بلغت

    وكان مما أنزل إليه وأمر بتبليغه أمر التوحيد وبيانه بطريقته فلم يترك النبي شيئا من أمور الدين وقواعده وأصوله وشرائعه وفصوله إلا بينه وبلغه على كماله وتمامه ولم يؤخر بيانه عن وقت الحاجة إليه إذ لو أخر فيها البيان لكان قد كلفهم ما لا سبيل لهم إليه

    وإذا كان الأمر على ما قلناه وقد علمنا أن النبي لم يدعهم في هذه الأمور إلى الاستدلال بالأعراض والجواهر وذكر ماهيتهما ولا يمكن لأحد من الناس أن يروي في ذلك عنه ولا عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم من هذا النمط حرفا واحدا فما فوقه لا في طريق تواتر ولا آحاد فعلمنا أنهم ذهبوا خلاف مذهب هؤلاء وسلكوا غير طريقهم وأن هذا طريق محدث مخترع لم يكن عليه رسول الله ولا أصحابه رضي الله عنهم وسلوكه يعود عليهم بالطعن والقدح ونسبتهم إلى الجهل وقلة العلم في الدين واشتباه الطريق عليهم

    وبلغني أنه كان لأبي هاشم الجبائي ابنة تسمى فاطمة وكان أصحابه يقولون إن فاطمة بنت أبي هاشم أعلم بالله وبطريق الحق من فاطمة بنت محمد ورضي عنها

    فنعوذ بالله من طريق يؤدي إلى مثل هذا القول ونسأله التوفيق لما يحب ويرضى

    وإياك رحمك الله أن تشتغل بكلامهم ولا تغتر بكثرة مقالاتهم فإنها سريعة التهافت كثيرة التناقض
    وما من كلام تسمعه لفرقة منهم إلا ولخصومهم عليه كلام يوازيه أو يقاربه
    فكل بكل معارض وبعض ببعض مقابل وإنما يكون تقدم الواحد منهم وفلجه على خصمه بقدر حظه من البيان وحذقه في صناعة الجدل والكلام

    وأكثر ما يغلب ببعضهم بعضا إنما هو إلزام من طريق الجدل على أصول لهم ومناقضات على أقوال حفظوها عليهم فهم يطالبونهم بعودها وطردها

    فمن تقاعد عن ذلك سموه من طريق الجدل منقطعا وجعلوه مبطلا وحكموا بالفلج لخصمه

    والجدل لا يتبين به حق ولا تقوم به حجة
    وقد يكون الخصمان على مقالتين مختلفتين كلتاهما بطالة ويكون الحق في ثالثة غيرهما فمناقضة أحدهما صاحبه لا تصحح مذهبه وإن أفسد به قول خصمه لأنهما مجتمعان في الخطأ مشتركان فيه كقول الشاعر فيهم


    حجج تهافت كالزجاج تخالها ... حقا وكل كاسر مكسور


    وإنما كان الأمر كذلك لأن واحدا من الفريقين لا يعتمد في مقالته أصلا صحيحا وإنما هو آراء تتقابل وأوضاع تتكافأ وتتعادل


    ولو أنصفوا في المحاجة لزم الواحد منهم أن ينتقل عن مذهبه كل يوم كذا وكذا مرة لما يورد عليه من الإلزامات وتراهم ينقطعون في الحجاج ولا ينتقلون وهذا هو الدليل على أنه ليس قصدهم طلب الحق وإنما طريقهم اتباع الهوى فحسب

    فإذا ألزم قال هذا إلزام توجه علي لا على مذهبي وسنأتي بعد بالجواب
    أو يوجد من ينفصل عن هذه الشبهة ممن ينتحل ديني ومذهبي

    فإذا راعينا مثل هذا لم تقم حجة على كافر أبدا
    وما هذا إلا طريق يوهم جميع الكافرين أنهم على الحق
    قاتلهم الله أنى يؤفكون وتعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا

    ومن قبيح ما يلزمهم في اعتقادهم أنا إذا بنينا الحق على ما قالوا وأوجبنا طلب الدين بالطريق الذي ذكروه
    وجب من ذلك تكفير العوام بأجمعهم لأنهم لا يعرفون إلا الاتباع المجرد

    ولو عرض عليهم طريق المتكلمين في معرفة الله تعالى ما فهمه أكثرهم فضلا من أن يصير فيه صاحب استدلال وحجاج ونظر

    وإنما غاية توحيدهم التزام ما وجدوا عليه سلفهم وأئمتهم في عقائد الدين والعض عليها بالنواجذ والمواظبة على وظائف العبادات وملازمة الأذكار بقلوب سليمة طاهرة عن الشبهات والشكوك
    تراهم لا يحيدون عما اعتقدوه وإن قطعوا إربا إربا
    فهنيئا لهم هذا اليقين وطوبى لهم هذه السلامة
    فإذا كفروا هؤلاء الناس وهم السواد الأعظم وجمهور الأمة فما هذا إلا طي بساط الإسلام وهدم منار الدين وأركان الشريعة وأعلام الإسلام وإلحاق هذه الدار أعني دار الإسلام بدار الكفر وجعل أهليهما بمنزلة واحدة

    ومتى يوجد في الألوف من المسلمين على الشرط الذي يراعونه لتصحيح معرفة الله تعالى أو لا يجد مسلم ألم هذه المقالة القبيحة الشنيعة في قلبه بل لو تقطع حسرات من عظيم ما اخترعوه في الدين وموهوه على الناس كان جديرا بذلك

    وإن قالوا إنا لا نكفر العوام
    فقد ناقضوا أصولهم حين أثبتوا حقيقة المعرفة والإيمان بغير طريقها على أصولهم

    وأظن أن من قال عنهم ذلك فإنما هو سلوك طريق التقية ورد تشنيع الناس عليهم وإلا فاعتقادهم وطريقتهم في أصولهم ما ذكرنا

    والله يكفي أهل السنة والجماعة شرهم ويرد كيدهم في نحرهم ويلحق بهم عاقبة مكرهم بقدرته وعظيم سطوته


    [الإنتصار لأصحاب الحديث لأبي المظفر السمعاني]

      الوقت/التاريخ الآن هو 19.04.24 20:03