[b]الله .. الله فى ولاة أمـــوركم !!
[size=28]الدعوة السلفية وولاة الأمور
وعند هذا الأصل يظهر التباين الواضح والاختلاف الجلى بين السلفى وغيره ممن ادعى تمسكه بالكتاب والنسة وبفهم السلف الصالح .
قال الله تعالى (( يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم )) الآية 59 النساء .
قال الإمام الطبري رحمه الله في " تفسيره " ( 5/150 ) : ( وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : هم الأمراء والولاة لصحة الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمر بطاعة الأئمة والولاة فيما كان طاعةً ، وللمسلمين مصلحة … إلخ ) أهــ .
فالسمع والطاعة لولاة الأمر من المسلمين في غير معصيةٍ مجمعٌ على وجوبه عند أهل السنة والجماعة ، وهو أصلٌ من أصولهم التي باينوا بها أهل البدع والأهواء .وقل أن ترى مؤلفاً في عقائد أهل السنة إلا وهو ينص على وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر ، وإن جاروا وظلموا ، وإن فسقوا وفجروا ، والإجماع الذي انعقد عند أهل السنة والجماعة على وجوب السمع والطاعة لهم مبنيٌ على النصوص الشرعية الواضحة التي تواترات بذلك :
يقول الرسول عليه الصلاة والسلام ( على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب أو كره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ) رواه الشيخان .
والمقصود من المعصية هى المعصية المنصوص عليها بصريح القرآن أو السنة الثابتة مثل أن يأمرنا بالزناأ وشرب الخمر أو ترك الصلاة …. إلى آخره فإن كان هذا هو أمر الإمام فلا يسمع له ولا يطاع فى ذلك مع بقاء الأصل وهو عدم الخروج عليه طالما أنه من المسلمين .
وعن معاوية رضى الله عنه قال : لما خرج أبو ذر إلى الربضة لقيه ركب من العراق فقالوا : يا أبا ذر إعقد لنا لواءً تأتيك الرجال تحته فقال مهلاً يا أهل الإسلام فإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( سيكون بعدى سلطان فأعزوه فمن التمس ذله ثغر فى الإسلام ثغرة ولم تقبل منه توبة حتى يعيدها كما كانت (حديث صحيح رواه أحمد وابن أبى عاصم وصححه الألبانى .
عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من أطاعنى فقد أطاع الله ومن عصانى فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعنى ومن يعص الأمير فقد عصانى ) رواه الشيخان .
وعن أنس قال : نهانا كبراؤنا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالوا : قال رسول الله : ( لا تسبوا أمراءكم ولا تغشوهم ولا تبغضوهم واتقوا الله واصبروا فإن الأمر قريب ). حديث صحيح رواه ابن أبي عاصم وصححه الألباني .
لأن سبهم يفضي إلى عدم طاعتهم في المعروف ، وإلى إيغار صدور العامة عليهم مما يفتح مجالاً للفوضى التي تعود على الناس إلا بالشر المستطير ، كما أن مطاف سبهم ينتهي بالخروج
عليهم وقتالهم .
وعن عياض بن غنيم رضى الله عنه قال : قال رسول الله : ( من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية وليأخذ بيده فإن سمع منه فذاك وإلا كان أدى الذي عليه ) . حديث صحيح رواه أحمد وابن أبي عاصم والحاكم والبيهقي وصححه الألباني .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة في معرض كلامه عن ذلك ما يلي :( ولهذا كان المشهور من مذهب أهل السنة أنهم لايرون الخروج عن الأئمة وقتالهم بالسيف وإن كان فيهم ظلم ، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم لأن الفساد في القتال والفتنة أعظم من الفساد الحاصل بظلمهم بدون قتال ولا فتنة. فلا يدفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما ولعله لا يكاد يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته) [ منهاج السنة النبوية: 3/390] .
وقال العلامة ابن رجب الحنبلي رحمه الله:( في جامعه) عندما شرح حديث تميم الداري ( الدين النصيحة) قال: ( وأما النصيحة لأئمة المسلمين فحب صلاحهم ورشدهم وعدلهم وحب اجتماع الأمة عليهم وكراهة افتراق الأمة عليهم والتدين بطاعتهم في طاعة الله عز وجل والبغض لمن رأى الخروج عليهم وحب إعزازهم في طاعة الله عز وجل ) إلى أن قال رحمه الله : ( معاونتهم على الحق وطاعتهم فيه وتذكيرهم به وتنبيههم في رفق ولطف ومجانبة الوثوب عليهم والدعاء لهم بالتوفيق وحث الأغيار على ذلك) [ جامع العلوم والحكم: 1/222] .
وقال الإمام الطحاوي رحمه الله في " العقيدة الطحاوية " : ( ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أُمورنا ، وإن جاروا ، ولا ندعوا عليهم ، ولا ننزع يداً من طاعتهم ، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضةً ، ما لم يأمروا بمعصيةٍ ، وندعوا لهم بالصلاح والمعافاة ( اهـ
وقال الإمام البربهاري في كتابه شرح السنة ص (107) : [ وإذا رأيت الرجل يدعوا على السلطان ؛ فاعلم أنَّه صاحب هوى وإذا سمعت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح ؛ فاعلم أنَّه صاحبُ سُنَّة ] .
وسئل الإمام عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله كما في كتاب " مراجعات في فقه الواقع السياسي والفكري على ضوء الكتاب والسنة " ( ص 31 ) عن من يمتنع عن الدعاء لولي الأمر فقال : ( هذا من جهله ، هذا من الجهل ..الدعاء لولي الأمر من أعظم القربات ومن أفضل الطاعات ومن النصيحة لله ولعباده . والنبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له إن دوساً عصت قال : " اللهم اهد دوساً وأت بهم ، اللهم اهد دوساً وأتِ بهم " ، يدعو للناس بالخير والسلطان أولى من يدعى له ، لأن صلاحه صلاح للأمة فالدعاء له من أهم الدعاء ، ومن أهم النصح .. )
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله- : ( فالله الله في فهم منهج السلف الصالح في التعامل مع السلطان ، وأن لا يتخذ من أخطاء السلطان سبيلاً لإثارة الناس وإلى تنفير القلوب عن ولاة الأمور ؛ فهذا عين المفسدة ، وأحد الأسس التي تحصل بها الفتنة بين الناس ، كما أن ملء القلوب على ولاة الأمر يحدث الشر والفتنة والفوضى ، وكذا ملء القلوب على العلماء يحدث التقليل من شأن العلماء ، وبالتالي التقليل من الشريعة التي يحملونها ، فإذا حاول أحد أن يقلل من هيبة العلماء وهيبة ولاة الأمر؛ ضاع الشرع والأمن ؛ لأن الناس إن تكلم العلماء ؛ لم يثقوا بكلامهم ، وإن تكلم الأمراء ؛ تمردوا على كلامهم ، وحصل الشر والفساد ، فالواجب أن ننظر ماذا سلك السلف تجاه ذوي السلطان ، وأن يضبط الإنسان نفسه ، وأن يعرف العواقب ، وليعلم أن من يثور إنما يخدم أعداء الإسلام ؛ فليست العبرة بالثورة ولا بالانفعال ، بل العبرة بالحكمة ، ولست أريد بالحكمة السكوت عن الخطأ ، بل معالجة الخطأ ؛ لنصلح الأوضاع ؛ لا لنغير الأوضاع ؛ فالناصح هو الذي يتكلم ليصلح الأوضاع لا ليغيرها ). اهـ. [ نقلاً عن رسالة حقوق الراعي والرعية ] مجموع خطب للشيخ ابن عثيمين .
ماذا لو جاروا علينا وظلمونا ؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوى " ( 28 / 179 ) : [ وأما ما يقع من ظلمهم وجورهم بتأويل سائغ أو غير سائغ فلا يجوز أن يزال لما فيه من ظلم وجورٍ ، كما هو عادة أكثر النفوس تزيل الشر بما هو شرٌ منه ، وتزيل العدوان ، بما هو أعدى منه ، فالخروج عليهم يوجب من الظلم والفساد أكثر من ظلمهم ، فيصبر عليه ، كما يصبر عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ظلم المأمور والمنهي في مواضع كثيرةٍ كقوله تعالى : ( وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك ) إلخ .. ]
وقال الإمام النووي رحمه الله في " شرح صحيح مسلم " ( 12/ 229 ) : ( وأما الخروج – يعني على الأئمة ـ وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين ، وإن كانوا فسقة ظالمين ، وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته ، وأجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق ، وأما الوجه المذكور في كتب الفقه لبعض أصحابنا أنه ينعزل وحكى عن المعتزلة أيضاً فغلط من قائله مخالف للإجماع ، قال العلماء وسبب عدم انعزاله ، وتحريم الخروج عليه ما يترتب على ذلك من الفتن وإراقة الدماء ، وفساد ذات البين فتكون المفسدة في عزلة أكثر منها في بقائه ) اهـ .
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في " إعلام الموقعين " [ إذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه ، وأبغض إلى الله ورسوله فإنه لا يسوغ إنكاره ، وإن كان الله يبغضه ، ويمقت أهله ، وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم ، فإنه أساس كل شر ، وفتنة إلى آخر الدهر ، وقد استأذن الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتال الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها ، وقالوا : أفلا نقاتلهم ؟ فقال : " لا ما أقاموا الصلاة " ، ومن تأمل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار رآها من إضاعة هذا الأصل ، وعدم الصبر على منكر ، فطلب إزالته ، فتولد منه ما هو أكبر ، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى بمكة أكبر المنكرات ولا يستطيع تغييرها .. إلخ ] أهــ .
ولقد كان موقف سلفنا الصالح من المنكرات الصادرة من الحكام وسطاً بين طائفتين :
إحداهما : الخوارج والمعتزلة ، الذين يرون الخروج على السلطان إذا فعل منكرا ً .
والأخرى : الروافض الذين أضفوا على حكامهم قداسة ، حتى بلغوا بهم مرتبة العصمة .
وكلا الطائفتين بمعزلٍ عن الصواب ، وبمنأى عن صريح السنة والكتاب .
ووفق الله أهل السنة والجماعة – أهل الحديث – إلى عين الهدى والحق ، فذهبوا إلى وجوب إنكار المنكر ، لكن بالضوابط الشرعية التي جاءت بها السنة ، وكان عليها سلف هذه الأمة .
ومن أهم ذلك وأعظمه قدراً أن يناصح ولاة الأمر سراً فيما صدر عنهم من منكراتٍ ، ولا يكون ذلك على رؤوس المنابر وفي مجامع الناس ، لما ينجم عن ذلك – غالباً – من تأليب العامة ، وإثارة الرعاع ، وإشعال الفتن ، وهذا ليس دأب أهل السنة والجماعة ، بل سبيلهم ومنهجهم : جمع قلوب الناس على ولاتهم ، والعمل على نشر المحبة بين الراعي والرعية ، والأمر بالصبر على ما يصدر عن الولاة من استئثارٍ بالمال أو ظلمٍ للعباد ، مع قيامهم بمناصحة الولاة سراً ، والتحذير من المنكرات عموماً أمام الناس دون تخصيص فاعلٍ ، كالتحذير من الزنى عموماً ، ومن الربا عموماً ، ومن الظلم عموماً … ونحو ذلك .
[size=28]الدعوة السلفية وولاة الأمور
وعند هذا الأصل يظهر التباين الواضح والاختلاف الجلى بين السلفى وغيره ممن ادعى تمسكه بالكتاب والنسة وبفهم السلف الصالح .
قال الله تعالى (( يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم )) الآية 59 النساء .
قال الإمام الطبري رحمه الله في " تفسيره " ( 5/150 ) : ( وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : هم الأمراء والولاة لصحة الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمر بطاعة الأئمة والولاة فيما كان طاعةً ، وللمسلمين مصلحة … إلخ ) أهــ .
فالسمع والطاعة لولاة الأمر من المسلمين في غير معصيةٍ مجمعٌ على وجوبه عند أهل السنة والجماعة ، وهو أصلٌ من أصولهم التي باينوا بها أهل البدع والأهواء .وقل أن ترى مؤلفاً في عقائد أهل السنة إلا وهو ينص على وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر ، وإن جاروا وظلموا ، وإن فسقوا وفجروا ، والإجماع الذي انعقد عند أهل السنة والجماعة على وجوب السمع والطاعة لهم مبنيٌ على النصوص الشرعية الواضحة التي تواترات بذلك :
يقول الرسول عليه الصلاة والسلام ( على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب أو كره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ) رواه الشيخان .
والمقصود من المعصية هى المعصية المنصوص عليها بصريح القرآن أو السنة الثابتة مثل أن يأمرنا بالزناأ وشرب الخمر أو ترك الصلاة …. إلى آخره فإن كان هذا هو أمر الإمام فلا يسمع له ولا يطاع فى ذلك مع بقاء الأصل وهو عدم الخروج عليه طالما أنه من المسلمين .
وعن معاوية رضى الله عنه قال : لما خرج أبو ذر إلى الربضة لقيه ركب من العراق فقالوا : يا أبا ذر إعقد لنا لواءً تأتيك الرجال تحته فقال مهلاً يا أهل الإسلام فإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( سيكون بعدى سلطان فأعزوه فمن التمس ذله ثغر فى الإسلام ثغرة ولم تقبل منه توبة حتى يعيدها كما كانت (حديث صحيح رواه أحمد وابن أبى عاصم وصححه الألبانى .
عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من أطاعنى فقد أطاع الله ومن عصانى فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعنى ومن يعص الأمير فقد عصانى ) رواه الشيخان .
وعن أنس قال : نهانا كبراؤنا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالوا : قال رسول الله : ( لا تسبوا أمراءكم ولا تغشوهم ولا تبغضوهم واتقوا الله واصبروا فإن الأمر قريب ). حديث صحيح رواه ابن أبي عاصم وصححه الألباني .
لأن سبهم يفضي إلى عدم طاعتهم في المعروف ، وإلى إيغار صدور العامة عليهم مما يفتح مجالاً للفوضى التي تعود على الناس إلا بالشر المستطير ، كما أن مطاف سبهم ينتهي بالخروج
عليهم وقتالهم .
وعن عياض بن غنيم رضى الله عنه قال : قال رسول الله : ( من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية وليأخذ بيده فإن سمع منه فذاك وإلا كان أدى الذي عليه ) . حديث صحيح رواه أحمد وابن أبي عاصم والحاكم والبيهقي وصححه الألباني .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة في معرض كلامه عن ذلك ما يلي :( ولهذا كان المشهور من مذهب أهل السنة أنهم لايرون الخروج عن الأئمة وقتالهم بالسيف وإن كان فيهم ظلم ، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم لأن الفساد في القتال والفتنة أعظم من الفساد الحاصل بظلمهم بدون قتال ولا فتنة. فلا يدفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما ولعله لا يكاد يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته) [ منهاج السنة النبوية: 3/390] .
وقال العلامة ابن رجب الحنبلي رحمه الله:( في جامعه) عندما شرح حديث تميم الداري ( الدين النصيحة) قال: ( وأما النصيحة لأئمة المسلمين فحب صلاحهم ورشدهم وعدلهم وحب اجتماع الأمة عليهم وكراهة افتراق الأمة عليهم والتدين بطاعتهم في طاعة الله عز وجل والبغض لمن رأى الخروج عليهم وحب إعزازهم في طاعة الله عز وجل ) إلى أن قال رحمه الله : ( معاونتهم على الحق وطاعتهم فيه وتذكيرهم به وتنبيههم في رفق ولطف ومجانبة الوثوب عليهم والدعاء لهم بالتوفيق وحث الأغيار على ذلك) [ جامع العلوم والحكم: 1/222] .
وقال الإمام الطحاوي رحمه الله في " العقيدة الطحاوية " : ( ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أُمورنا ، وإن جاروا ، ولا ندعوا عليهم ، ولا ننزع يداً من طاعتهم ، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضةً ، ما لم يأمروا بمعصيةٍ ، وندعوا لهم بالصلاح والمعافاة ( اهـ
وقال الإمام البربهاري في كتابه شرح السنة ص (107) : [ وإذا رأيت الرجل يدعوا على السلطان ؛ فاعلم أنَّه صاحب هوى وإذا سمعت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح ؛ فاعلم أنَّه صاحبُ سُنَّة ] .
وسئل الإمام عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله كما في كتاب " مراجعات في فقه الواقع السياسي والفكري على ضوء الكتاب والسنة " ( ص 31 ) عن من يمتنع عن الدعاء لولي الأمر فقال : ( هذا من جهله ، هذا من الجهل ..الدعاء لولي الأمر من أعظم القربات ومن أفضل الطاعات ومن النصيحة لله ولعباده . والنبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له إن دوساً عصت قال : " اللهم اهد دوساً وأت بهم ، اللهم اهد دوساً وأتِ بهم " ، يدعو للناس بالخير والسلطان أولى من يدعى له ، لأن صلاحه صلاح للأمة فالدعاء له من أهم الدعاء ، ومن أهم النصح .. )
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله- : ( فالله الله في فهم منهج السلف الصالح في التعامل مع السلطان ، وأن لا يتخذ من أخطاء السلطان سبيلاً لإثارة الناس وإلى تنفير القلوب عن ولاة الأمور ؛ فهذا عين المفسدة ، وأحد الأسس التي تحصل بها الفتنة بين الناس ، كما أن ملء القلوب على ولاة الأمر يحدث الشر والفتنة والفوضى ، وكذا ملء القلوب على العلماء يحدث التقليل من شأن العلماء ، وبالتالي التقليل من الشريعة التي يحملونها ، فإذا حاول أحد أن يقلل من هيبة العلماء وهيبة ولاة الأمر؛ ضاع الشرع والأمن ؛ لأن الناس إن تكلم العلماء ؛ لم يثقوا بكلامهم ، وإن تكلم الأمراء ؛ تمردوا على كلامهم ، وحصل الشر والفساد ، فالواجب أن ننظر ماذا سلك السلف تجاه ذوي السلطان ، وأن يضبط الإنسان نفسه ، وأن يعرف العواقب ، وليعلم أن من يثور إنما يخدم أعداء الإسلام ؛ فليست العبرة بالثورة ولا بالانفعال ، بل العبرة بالحكمة ، ولست أريد بالحكمة السكوت عن الخطأ ، بل معالجة الخطأ ؛ لنصلح الأوضاع ؛ لا لنغير الأوضاع ؛ فالناصح هو الذي يتكلم ليصلح الأوضاع لا ليغيرها ). اهـ. [ نقلاً عن رسالة حقوق الراعي والرعية ] مجموع خطب للشيخ ابن عثيمين .
ماذا لو جاروا علينا وظلمونا ؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوى " ( 28 / 179 ) : [ وأما ما يقع من ظلمهم وجورهم بتأويل سائغ أو غير سائغ فلا يجوز أن يزال لما فيه من ظلم وجورٍ ، كما هو عادة أكثر النفوس تزيل الشر بما هو شرٌ منه ، وتزيل العدوان ، بما هو أعدى منه ، فالخروج عليهم يوجب من الظلم والفساد أكثر من ظلمهم ، فيصبر عليه ، كما يصبر عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ظلم المأمور والمنهي في مواضع كثيرةٍ كقوله تعالى : ( وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك ) إلخ .. ]
وقال الإمام النووي رحمه الله في " شرح صحيح مسلم " ( 12/ 229 ) : ( وأما الخروج – يعني على الأئمة ـ وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين ، وإن كانوا فسقة ظالمين ، وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته ، وأجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق ، وأما الوجه المذكور في كتب الفقه لبعض أصحابنا أنه ينعزل وحكى عن المعتزلة أيضاً فغلط من قائله مخالف للإجماع ، قال العلماء وسبب عدم انعزاله ، وتحريم الخروج عليه ما يترتب على ذلك من الفتن وإراقة الدماء ، وفساد ذات البين فتكون المفسدة في عزلة أكثر منها في بقائه ) اهـ .
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في " إعلام الموقعين " [ إذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه ، وأبغض إلى الله ورسوله فإنه لا يسوغ إنكاره ، وإن كان الله يبغضه ، ويمقت أهله ، وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم ، فإنه أساس كل شر ، وفتنة إلى آخر الدهر ، وقد استأذن الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتال الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها ، وقالوا : أفلا نقاتلهم ؟ فقال : " لا ما أقاموا الصلاة " ، ومن تأمل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار رآها من إضاعة هذا الأصل ، وعدم الصبر على منكر ، فطلب إزالته ، فتولد منه ما هو أكبر ، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى بمكة أكبر المنكرات ولا يستطيع تغييرها .. إلخ ] أهــ .
ولقد كان موقف سلفنا الصالح من المنكرات الصادرة من الحكام وسطاً بين طائفتين :
إحداهما : الخوارج والمعتزلة ، الذين يرون الخروج على السلطان إذا فعل منكرا ً .
والأخرى : الروافض الذين أضفوا على حكامهم قداسة ، حتى بلغوا بهم مرتبة العصمة .
وكلا الطائفتين بمعزلٍ عن الصواب ، وبمنأى عن صريح السنة والكتاب .
ووفق الله أهل السنة والجماعة – أهل الحديث – إلى عين الهدى والحق ، فذهبوا إلى وجوب إنكار المنكر ، لكن بالضوابط الشرعية التي جاءت بها السنة ، وكان عليها سلف هذه الأمة .
ومن أهم ذلك وأعظمه قدراً أن يناصح ولاة الأمر سراً فيما صدر عنهم من منكراتٍ ، ولا يكون ذلك على رؤوس المنابر وفي مجامع الناس ، لما ينجم عن ذلك – غالباً – من تأليب العامة ، وإثارة الرعاع ، وإشعال الفتن ، وهذا ليس دأب أهل السنة والجماعة ، بل سبيلهم ومنهجهم : جمع قلوب الناس على ولاتهم ، والعمل على نشر المحبة بين الراعي والرعية ، والأمر بالصبر على ما يصدر عن الولاة من استئثارٍ بالمال أو ظلمٍ للعباد ، مع قيامهم بمناصحة الولاة سراً ، والتحذير من المنكرات عموماً أمام الناس دون تخصيص فاعلٍ ، كالتحذير من الزنى عموماً ، ومن الربا عموماً ، ومن الظلم عموماً … ونحو ذلك .